مجتمع يأبى الاندماج، ويهوى التعالي من فراغ

يبدو لك وأنت تلقي نظرة خاطفة على هذا العنوان أن محور الحديث هنا هو عن مجتمع تتعدد فيه المعتقدات والديانات والطوائف والأعراق، لكن لا شيء من ذلك يوجد بذلك المجتمع، بل إنه المجتمع الوحيد في العالم الذي يدين بدين واحد، ويعتقد بمعتقد واحد له قبلة واحدة، وثقافة محلية تكاد أن تكون واحدة بنسبة 95%، وإن اختلفت الألسن. ولا توجد به أكثر من قوميتان عربية وأخرى زنجية
لا يزال هذا المجتمع حتى نهاية العقد السادس من انتقاله إلى الدولة الوطنية يعانق ماضي تليد تأسس على ظلم واستبداد واقصاء للآخر، لا يزال حتى الآن يروج للتصور الانقسامي بأبهى معانيه "أنا وأخي ضد ابن عمي، وأنا وابن عمي ضد الغريب". لا يزال حتى الوقت الراهن ذلك المجتمع التقليدي الذي ينغلق فيه كل فصيل على نفسه اعتزازا وولاء، مع اقصاء للآخر الذي لا يتغير عنه في شيء.
بالرغم من كون هذا المجتمع شهد انتقالا كبيرا من الريف نحو الحضر، لم يستطع التخلص من الرواسب التقليدية القائمة للولاء للشِعب إلى الولاء للشَعب، أي الدولة الوطنية بمفهومها الواسع، والتي تتطلب تغيير في العلاقات الاجتماعية، تغيير في الممارسات والسلوك، تغير يلامس البنية التقليدية ليحولها إلى بنية أخرى متزنة ومتينة. إلا أنه لا شيء من ذلك حدث. فقد ظلت المجموعات هي هي، والأفراد كما كانوا في الريف هذا في ظل عجز الدولة عن صرف ولاءات الأفراء الضيقة لصالح ولاء واحد هو الولاء للدولة الوطنية. لذلك مزال هذا المجتمع يعانق البداوة في ثوب الحداثة، فهو يعيش البداوة حينا، والحداثة حينا آخر، ويمزجهما أحيانا أخرى ليرسم لوحة غيرة واضحة لا هي تقليدية ولا هي حداثية أقرب ما تكون إلى الاستلاب إذا جاز التعبير.
لكثرة وتنوع أنواع وأنماط الحراك التي شهدها هذا المجتمع تعتقد أنه قد تغير جذريا من ذلك المجتمع التقليدي المتزمت للمكانة الموروثة، إلى مجتمع يمنح التميز لأصحاب الكفاءات، لكن لا تلبث إلا يسريا حتى يتبين لك أن ما كنت تعتقده أمر خاطئ، فالكل يحمل شعار التغيير، لكن التغيير الداخلي أبعد ما يكون عنه، فلا يزال الحرطاني حرطاني والبظاني بظاني، والزنجي زنجي ساحر، هذا في الخفاء، لكن ما يظهره كل منهم للعيان عكس ذلك (التسامح والرحبة والحب والاندماج)، قد نسلم جدلا أن اندماجا بين هذه المكونات أمر صعب المنال يتطلب زمنا غير قصير ليحدث، لكن من غير المعقول أن يصعب على الحراطين مثلا الاندماج فيما بينهم، أو البيظان أو حتى الزنوج، رغم أنهم في الظاهر يبدون مندمجين ومتفاهمين.. إلا أن العكس هو الحاصل التشقق والانقسام
يقول أحد الشباب حين أردت الزواج كلمت أمي بالأمر فرقصت فرحا بالأمر، ثم قالت بنت فلان هي العروس تقصد (خالي)، فأجب بالنفي، فقالت بنت فلان إذا! تقصد عمي فقلت لا، فقالت من هي إذا؟ فقلت فلانه، فتغير وجهها وقالت، لا وألف كلا لن يحصل ذلك، فقلت ولما؟ قالت لن تتزوج من خارج قبيلتك، فقلت لها القبيلة ليست معيار في مثل هذا الأمر. لكنها أصرت على رفضها على الرغم من كون الفتاة التي أريدها لا تختلف عني في العرق
ويقول آخر حين أرد الزواج اقترح علي أهلي العديد من الفتيات، لكن ظهر أن أغلبهن محارم لي من الرضاعة، فتساهل أهلي في تزويجي، ومع خوفي على نفسي من الفاحشة ذهب وتزوجت دون إذنهم، لكن من فتاة تختلف عن في اللون، وهنا جن جنونهم، وقاموا بمقاطعتي لمدة سنتين، فما كان من أمري إلا أن طلقتها عندئذ رفعوا الحصار عني.

ومن هنا كان التساؤل هل مثل هذا المجتمع يعد مجتمعا إسلاميا؟ أم أنه مسلم بالاسم دون المضمون؟ وكيف لم يستفد هذا المجتمع من الحداثة والانفتاح الحاصل في العالم من حوله؟ أم أن التغيير أمر صعب الوصول حتى في شعب يشترك نفس المعتقد والثقافة والدين وحتى المصير؟

1 comments:

جميل جدا، بارك الله فيك


التعليقاتإخفاء