الحراك الاجتماعي أسبابه وأنواعه


مقدمة عامة
الحراك الاجتماعي هو سمة المجتمعات البشرية وخاصيتها، وقد اتضحت خصائصه أكثر فأكثر في المجتمعات الديمقراطية الحديثة، حيث أنه نتيجة حتمية لتفاعل المجتمعات، أي التيار العام الذي يدفع طبقة من الطبقات أو فئة اجتماعية إلى تنظيم صفوفها بهدف القيام بعمل موحد.
ويفترض الحراك الاجتماعي في نمطه المثالي مجتمعا مفتوحا يخبر قدر من السيولة والحركة تتيح للأفراد أن يتحركوا بحرية عبر السلم الاجتماعي على قدر ما يتوافر لهم من قدرات وعلى قدر ما يبذلونه من جهد دون النظر إلى مكانتهم الاجتماعية عند الولادة.
ومن ثم فإن الحراك الاجتماعي إذا ما وجد في هذه الصورة المثالية فإنه يعد مؤشرا على أن المجتمع قد تجاوز النظرة التقليدية المحدودة التي تقدر الفرد في ضوء مكانته الموروثة واتجه إلى تقدير الأفراد في ضوء مكانتهم المكتسبة. فالمجتمع يتيح للفرد أن يرتقي طالما تملك القدرات والكفاءات التي يرتقي بها، كما أن الحراك الاجتماعي في هذه الصورة المثالية يعد مؤشرا أيضا على حالة من العدالة في توزيع القيم وفي توزيع الفرص.
والحراك الاجتماعي كغيره من الظواهر له اسبابه التي يترتب عنها كما أنه يأخذ عدة أشكال وأنماط، سنحاول التعرض إليها بشيء من التفصيل في هذا البحث الذي هو بعنوان (الحراك الاجتماعي أسابه وأنواعه).
ولكي نتمكن من الإحاطة بجوانب البحث قمنا بتقسيمه إلى ثلاثة محاور
تمثل المحور الأول في: تحديد مفاهيم البحث، لما يحتمه علينا التمشي المنهجي
وتمثل المحور الثاني في: عوامل وأسباب الحراك الاجتماعي
أما المحور الأخير فقد حمل عنوان: أشكال وأنماط الحراك الاجتماعي

                                                                   I.            المحور الأول: مفهوم الحراك الاجتماعي والمفاهيم ذات الطلة
يقتضي العمل البحثي عادة تحديد ماهي المفاهيم والمصطلحات التي يدور حولها البحث ودلالاتها المعرفية، وتنوع قراءاتها في الحقل المعرفي، وبما أن الحديث هنا هو حول "الحراك الاجتماعي.. أسبابه وانواعه"، لذلك يلزمنا الحديث ولو بإيجاز عن مفهوم الحراك الاجتماعي والبعض المفاهيم الذات الصلة به.
1.    مفهوم الحراك الاجتماعي:
الحراك الاجتماعي ظاهرة اجتماعية ينتقل من خلالها الفرد أو الجماعة من طبقة أو مستوى اجتماعي اقتصادي معين إلى طبقة أخرى أو مستوى اجتماعي اقتصادي آخر بحيث يرتبط بهذا الانتقال تغير في مستوى وظيفة ودخل الفرد، وقد يكون هذا الانتقال إلى أعلى أو إلى أسفل، ويعبر الحراك عن الأوضاع العالمية والظروف الجارية التي تحدث نتيجة التغيرات في العلاقات الاجتماعية وفقا لاختلاف المكان والزمان، حيث يتحرك الفرد أو الجماعة من مكانة اجتماعية معينة إلى مكانة اجتماعية أخرى.
وقد تعددت تعريفات الحراك الاجتماعي، لكنها خلصت في مجملها إلى أنه حركة الأفراد بين الطبقات والجماعات المهنية المختلفة والفرص المتاحة أمامهم للدخول في هذه الحركة. فالحراك الاجتماعي ليس مجرد حركة للفرد أو الجماعة، ولكنه يتضمن أيضا الفرص المتاحة أمام الفرد أو الجماعة لإمكانية تحركه، إذن فظاهرة الحراك الاجتماعي تتيح للفرد حرية الحركة عبر هرم التدرج الاجتماعي بناء على ما يتوافر للفرد من قدرات وخبرات وفقا لما يبذله من جهد بغض النظر عن مكانته الاجتماعية الموروثة.[1]
والحراك الاجتماعي عبارة عن إيجاد بيئة محفزة للعمل تتيح للمواطن تنمية قدراته واستعداداته وتكون فيه الفرص على أساس القدرات والمواهب والجهد الذاتي للحصول على مكانة وظيفية واجتماعية راقية داخل المجتمع، ومن ثم يصبح المجتمع مجالا خصبا لتنافس أعضائه.
ويرى أ. جيدنز أن دراسة التراتب الاجتماعي لا تقتصر على دراسة المواقع الاقتصادية أو المهنية التي يشغلها الأفراد، بل تتطرق أيضا إلى ما يكمن أن يحدث في سياق البنية الاجتماعية، ويشير مصطلح الحراك الاجتماعي إلى تحرك الأفراد والجماعات بين مواقع اقتصادية واجتماعية مختلفة، فالحراك العمودي يعني حركة الأفراد صعودا أو هبوطا على السلم الاقتصادي الاجتماعي فيوصف من يحصلون مكاسب في مجال التملك أو الدخل أو المكانة بأنهم يحققون حراكا إلى أعلى، بينما تنحدر مواقع من يفقدون هذه المكاسب في الاتجاه المعاكس إلى أسفل، كما  يرى جيدنز أنه قد انتشرت في المجتمعات الحديثة ظاهرة الحراك الجانبي الذي يشير إلى التحرك الجغرافي بين الأحياء والمدن والأقاليم، وقد يلتقي الحراكان العمودي والجاني مثلا عندما ينقل الشخص من المؤسسة التي يعمل بها إلى أحد فروعها في مدينة أو بلد آخر مع ترقيته إلى منصب أعلى، وهنا طريقتان للدراسة الحراك الاجتماعي هما: دراسة الحراك الجيلي الذي يشير إلى ما يحققه الفرد من تحرك صعودا أو هبوطا على السلم الاجتماعي في حياته، ودراسة الحراك بين الأجيال الذي يدل على مثل هذا الصعود أو الهبوط بين الابن وأبيه على سبيل المثال.[2]
ويعتبر الحراك الاجتماعي مثاليا متى تجاوز المجتمع نظرته التقليدية المحدودة التي تقدر الفدر وفقا لمكانته الاجتماعية الموروثة، وتتجه إلى تقدير الفرد وفقا لمكانته المكتسبة من جهوده المبذولة لتنمية قدراته وتطوير مهاراته وتراكم خبراته، وبناء على ذلك يرتقي الفرد في هرم التدرج الاجتماعي، لذلك تظهر جليا أهمية ظاهرة الحراك الاجتماعي في أنها الوسيلة الفعالة والآمنة التي من خلالها يحقق الفرد ذاته وطموحاته.
وعلى العموم يرى آخرون أن الحراك الاجتماعي عبارة عن نوع من التغير الاجتماعي الذي يصيب الأفراد في وضعهم الاجتماعي، ويكون هذا التغير إلى أعلى أو أسفل، وهو نوع من الانقلاب في الطبقات الاجتماعية والسلم الاجتماعي وقد تمت صياغة مفهوم الحراك الاجتماعي في إطار حركة الفكر الغربي الوظيفي، من خلال الثلث الأول من القرن العشرين، على يد العالم الشهير "سوروكين". حيث يرى أن الحراك الاجتماعي هو تحول يصيب فرداً أو موضوعاً اجتماعياً أو قيمة. وبعبارة أعم أي شيء أوجده أو شكله نشاط الإنسان من وضع اجتماعي إلى وضع اجتماعي آخر.
ويقصد "شبرد" بالحراك الاجتماعي انتقال بعض الأفراد أو الجماعات من طبقة اجتماعية إلى أخرى، أو انتقالهم داخل الطبقة الاجتماعية نفسها إلى شرائح مختلفة. وكذلك انتقال معظم أفراد الطبقة إلى وضع اجتماعي انتاجي آخر سواء كان ذلك صعوداً أو هبوطاً في التركيب الطبقي للمجتمع.
بينما يعرف "هورتون" الحراك الاجتماعي بأنه عملية الحركة من وضع اجتماعي إلى آخر داخل البناء الاجتماعي، بمعنى تغير الوضع في البناء الطبقي. وقد تكون الحركة في مكانة الفرد أو الجماعة أو الفئة الاجتماعية ككل. ومن ثم فإن الحراك ما هو إلا عملية اجتماعية تشير إلى الحركة داخل البناء الاجتماعي.[3]
2.   مفهوم التغير الاجتماعي
يعني "التغير" الاختلاف بين الحالتين القديمة والحالة الجديدة أو اختلاف الشيء عما كان عليه خلال فترة محددة من الزمن (بداية ونهاية)، وحينما تضاف كلمة (الاجتماعي) يقصد به: التغير الذي يحدث داخل المجتمع أو التبدل والتحول الذي يطرأ على جوانب المجتمع أو على البناء الاجتماعي خلال فترة من الزمن.
ويعتبر التغير الاجتماعي في ثقافة المجتمع نوعا من التغير الاجتماعي، سواء كان ذلك التغير في جانبيي الثقافة المادي أو الفكري. ويشمل التغير الاجتماعي العديد من جوانب المجتمع: كأنماط العلاقات بين الأفراد والجماعات واختلاف الوظائف والأدوار الاجتماعية وفي الأنظمة والقيم والعادات...إلخ
ويكاد يجمع العديد من العلماء (جيرث، ميلز، جنزبيرج ، جي روشيه ، عاطف غيث .. الخعلى أن التغير الاجتماعي هو: التحول الذي يصيب البناء الاجتماعي في كله أو في أي من أجزائه في الأدوار والنظم والوظائف الاجتماعية أو في الوحدات المكونة له في فترة محددة من الزمن ويمكن ملاحظته. ويحدث التغير الاجتماعي نتيجة لعوامل داخلية أو عوامل خارجية، أو كلاهما.
يعتبر التغير الاجتماعي ظاهرة اجتماعية مستمرة وملازمة للمجتمعات منذ القدم، سواء كانت تلك المجتمعات رعوية أم زراعية، نامية أو متقدمة، رأسمالية أم اشتراكية...إلخ
والتغير الاجتماعي الذي يحدث في المجتمعات اليوم لم يعد كله دون توجيه واع، إنما هو تغير مقصود وإداري يتم وفق خطط مدروسة، بل وتستحدث له مناهج ووسائل من أجل تحقيق التنمية بوجه عام.
كما أن المجتمع بطبيعته متغير، حيث يأخذ من الجيل السابق جوانب ثقافية ويضيف إليها تمشيا مع واقعه الاجتماعي، ومتطلباته المستجدة.
ولكل تغير اجتماعي (مدى، سرعة واتجاها) وبداية ونهاية، غير أن كل ذلك يتوقف على طبيعة المجتمع.
وقد تنبه المفكرون إلى ظاهرة التغير واعتبرها بعضهم "حقيقة الوجود"، إلا أن نظرتهم كانت عامة لم تتنبه إلى القوانين التي تحكم هذا التغير، وهذا بخلاف نظرة وتفكير علما العصر الحديث في التغير الاجتماعي، حيث يحاولون توجيه التغير والتحكم فيه، خاصة بعد الحربين العالميتين.
3.   مفهوم الهجرة وعلاقتها بالحراك الاجتماعي
الهجرة هي الانتقال من البلد الأم للاستقرار في بلد آخر، ويمكن أن نقول بأنّها تلك الحركة السكانية التي يتم فيها انتقال الأفراد والجماعات من موطنهم الأصلي إلى وطن جديد يختارونه وذلك نتيجة لعدة أسباب بما تسمح به ظروف الدول المستقبلة، وبما يخدم الأوضاع الاقتصادية لكل من دول المهجر ودول المنشأ، ومن خلال آليات تعاون فني وأمني وقضائي وتشريعي، وفي إطار الاحترام الكامل لحقوق المهاجرين.[4]
وتعتبر الهجرة عاملا على درجة مرتفعة من التأثير المباشر على ظاهرة الحراك الاجتماعي، وذلك لكثرة حدوثها في المجتمع المعاصر، وأهمية دوافعها التي تتمثل في سعي الأفراد الحثيث لتحسين ظروفهما اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا ومن حيث فرص التعليم والعمل ومستوى الدخل الأعلى والرقي الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما قد يؤدي إلى النمو المتزايد للمدن من جهة، وانكماش المجتمع القروي من الجهة المقابلة. [5]
                                                                                     II.            المحور الثاني: أسباب وعوامل الحراك الاجتماعي
يتحقق الحراك الاجتماعي إذا ما توافر عدد من العوامل التي تساعد على حدوثه داخل البناء الاجتماعي، وسنذكر هنا اهم تلك العوامل ولو بإيجاز، مع الإشارة إلى أن ترتيبهم بالشكل الذي سنذكرهم عليه لا يعني بالضرورة أولويتهم من حيث الاهمية، إذ نرى بأن جميعهم على ذات الدرجة من الأهمية نظرا لأن اي منهم على حدة قد يؤدي إلى فعالية الحراك الاجتماعي إيجابا أو سلبا، وتتمثل أهم تلك العوامل في:
1.   التعليم:
تأتي أهمية التعليم كأحد عوامل الحراك الاجتماعي لما تؤدي إليه نتائجه من التحقيق مستوى أرقى في التقدم العالمي ومن ثم تقدم اجتماعي وفرص عمل أفضل تعمل على تحفيز الفرد أو الجماعة بالانتقال بمجتمعهم من مكانة معينة إلى مكانة أخرى أو أعلى. وقد أكدت بحوث علماء الاجتماع على الارتباط الوشيق والمباشر بين التعليم والحراك الاجتماعي، ووجود ارتباط قوي بين التحصيل الدراسي وارتفاع الدخل، والارتباط بين التعليم وبين الانتماء الطبقي. ويقوم افتراض العلاقة بين التعليم والحراك الاجتماعي على الاعتقاد بأن التعليم له قيمة في حد ذاته وبصرف النظر عما يترتب عليه من نجاحات. فالتعليم له قيمه رمزية تختلف عن قيمته الوظيفية المرتبطة بالمهن التي ينتجها أو صور الحراك التي يخلقها. فالتعليم في ضوء ذلك يبقى وسيلة لا غنى عنها لأولئك الذين يستعون إلى مزيد من الصعود إلى أعلى، وبصرف النظر عن المهن.[6]
2.   التقدم التكنولوجي:
يتسم التقدم التكنولوجي كأحد عوامل الحراك الاجتماعي بفاعليته لما يحدثه من أثر إيجابي للحراك الاجتماعي، لأن الفرد الذي يمتلك الخبرات والقدرات التقنية يستطيع أن يتدرج في الهرم الوظيفي للارتقاء بذاته اجتماعيا واقتصاديا.
3.   الأيديولوجية السياسية والتحولات السياسية:
ويقصد بالإيديولوجية السياسية: النظام السياسي القائم على العدالة في توزيع القيم والفرص وتتوافر لديه مقومات المجتمع المتحضر التي تتيح للفرد أن يرتقي في هرم التدرج الاجتماعي طالما تملك القدرات والكفاءات المطلوبة، تاركا أولئك الأفراد المتعثرين في تنمية قدراتهم في درجات أقل في هرم التدرج.[7]
وتعمل التحولات السياسية بمختلف أشكالها على جعل المجتمع في حالة أكثر ما تكون قابلة لإتاحة هوامش الحركة للأفراد، حيث تشكل بيئة خصبة لارتفاع وتيرة الحراك الاجتماعي. فالثورات التي تعمل على تغيير نظام الحكم، والانفتاح السياسي من قبل السلطة الحاكمة، والفوضى واللانظام السياسي، تساعد على تكوين عامل مهم من عوامل الحراك الاجتماعي، ويرى علماء الاجتماع أن التحول السياسي، يرتبط بفترات الاضطراب السياسي، مثل الحروب، وحركة الإصلاح السياسي والاجتماعي، ففي فترات الحرب يحدث حراكا اجتماعيا صاعدا أو هابطا لبعض الأفراد، مثل أولئك الذين يستفيدون من استمرار الحرب ليحققوا الثراء الذي لم يكونا ليصلوا إليه لولا تلك الحالة التي يعيشها المجتمع أثناء الحرب، وبالتالي يحققون حراكا صاعدا، كما تعمل الحروب والانتفاضات الاجتماعية على تسريع الحراك، حيث تساعد على ظهور قيادات وطنية جديدة لتحل محل القيادات التقليدية.[8]
4.   الهجرة:
تلعب الهجرة دورا كبيرا في الحراك الاجتماعي، حيث أنها ناتجة عن السعي لتحسين ظروف وأحوال الأفراد والجماعات اجتماعيا واقتصاديا لما تتيحه من فرص متعددة في التعليم والعمل ومستوى عال من الدخل، ومن ثم تحقيق الرقي الاقتصادي والاجتماعي للأفراد، خاصة وأن هناك اعتقادا ساعدا بأن المهاجرين يميلون إلى أن يكونوا من طبقة اجتماعية أعلى من عامة السكان فقد أكدت الدراسات الاجتماعية بأنه يسود في المجتمعات الصناعية المتقدمة معدل هجرة مرتفع في صفوف الأفراد المهجرة من التخصصات الفنية، إذ تكون لدى المهاجرين رغبة في تحسين وضعهم الاقتصادي، ولذلك تكون رغبتهم محدودة في الاستقرار في مكان واحد. إن التقدم المتدرج للمتخصصين في المهارات المختلفة في سلسلة من المراكز المرتفعة داخل البناء الاجتماعي المتدرج يرتبط ـ بشكل أو بآخرـ بحركة السكان المكانية والاجتماعية، وينظر علماء الاجتماع إلى الهجرة باعتبارها ظاهرة مصاحبة للحراك الاجتماعي.[9]

                                                                                 III.            المحور الثالث: أشكال وأنماط الحراك الاجتماعي
حدد علماء الاجتماع أشكال الحراك الاجتماعي داخل البناء الاجتماعي في المجتمع المعاصر في: الشكل الأفقي، والشكل العمودي، بالإضافة إلى الحراك الاجتماعي بين الأجيال، وهو ما سنحاول التطرق إليه بالشرح
1.    الحراك الاجتماعي الأفقي: هو انتقال بين أركان المجتمع الجغرافية كأن ينتقل الفرد من جماعة مهنية إلى جماعة مهنية أخرى، فإذا انتقل الفرد من مهنة الطب، إلى مهنة الهندسة أو من مهنة يدوية إلى مهنة يدوية أخرى يكون انتقاله في شكل أفقي.
2.    الحراك الاجتماعي العمودي: وهو انتقال الفرد إلى مستوى أعلى أو أدنى، أي صعودا أو هبوطا في جماعة واحدة، كأن ينتقل الفرد من مهنة يدوية إلى مهنة فنية، أو إلى مهنة الهندسة فيعد ذلك حراكا اجتماعيا عموديا، وقد يكون الحراك الاجتماعي العمودي صاعدا او هابطا على هرم التدرج الاجتماعي كأن ينتقل الفرد من مستوى أعلى إلى مستوى متوسط، مثل تدهور الحالة الاقتصادية لدى بعض أرباب العمل والأثرياء نتيجة أزمة اقتصادية معينة وانحدارهم إلى مستوى طبقي أدنى.
3.    الحراك الاجتماعي بين الأجيال: ينقسم الحراك الاجتماعي بين الأجيال إلى الحراك الاجتماعي عبر الأجيال، وحراك اجتماعي داخل ذات الجيل الواحد. فالحراك الاجتماعي يظهر عند مقارنة الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها كل من الأبناء وآبائهم أو أجدادهم، فإذا حقق الأبناء مستوى طبقيا أعلى من ذلك الذي ينتمي إليه آباءهم فإنهم بذلك يكونون انجزوا حراكا اجتماعيا صاعدا عبر الأجيال، وعكس ذلك صحيح للحراك الاجتماعي الهابط عبر الأجيال. والحراك الاجتماعي داخل الجيل يجري بمقارنة الأوضاع الطبقية التي شغلها الفرد في حياته المهنية وما يحققه من إنجازات فيها.[10]

ويشتمل الحراك الاجتماعي على عدة أنماط نعرض منها:
1.   الحراك المهني: ويُقصد به تغيير الفرد لمهنة أسرته، وتبديل الأبناء لمهن آبائهم نتيجة لازدياد التخصص المهني، وتوافر مجالات العمل أمام الفرد، حسب ميوله الفردي واستعداده للإنتاج.
ويساعد الحراك المهني على تحرك الأفراد اجتماعيا واقتصاديا، عن مكانة أسرهم الاجتماعية والاقتصادية. ويؤدي ارتقاء الفرد في التركيب المهني وتغييره لوضعه المهني، عن وضع أسرته الأصلية، وصعوده أو هبوطه في السلم المهني، إلى تغييره مكان إقامته، ومعارفه وأصدقائه الذين تربى معهم في نشأته الأولى، واختلاطه بأفراد جدد ذوي ميول واتجاهات مغايرة عن الوسط الذي نشأ فيه، وتغييره أيضاً لأسلوب حياته ومركزه الاجتماعي ما يؤثر في علاقته القرابية بأعضاء أسرته.
أصبحت وراثة الأبناء لمهن الآباء ظاهرة نادرة في المجتمع المعاصر، وأصبح طبيعيا أو سويا أن نرى أعضاء الأسرة يعملون في مهن متباينة، لا ترابط بينها ولا اتصال. فقد يعمل أحد أفراد الأسرة في التجارة وآخر في التدريس وثالث في مهنة الطب، بينما يعمل قريب لهم في حرفة يدوية، كالنجارة أو الحياكة.[11]
2.   الحراك المكاني: وهو أكثر أشكال الحراك الاجتماعي انتشارا في المجتمع الحضري الصناعي. فقد أصبح من الشائع انتقال الفرد من إقليم إلى إقليم، أو من حي لآخر. وكان الحراك المكاني محدودا في المجتمع التقليدي، وكان الفرد يدين بالولاء للأرض التي يوُلد فيها ويمارس نشاطه الاجتماعي والاقتصادي فوقها، ولكن أدى تقدم وسائل المواصلات ووسائل النقل، ونشأة مهن جديدة ذات أجور مرتفعة في أماكن متفرقة، إلى ازدياد الحراك المكاني للأفراد، وهجرتهم من الأقاليم التي يقيمون بها مع أسرهم إلى مواطن العمل الجديدة.[12]
وقد لاحظ علماء الاجتماع أن الأفراد في المجتمع الحضري أصبحوا أقل ارتباطا بالأرض التي ينشؤون عليها، وزاد تحرك الأفراد من بلد لآخر، وزاد تغيير الأفراد للوحدات السكانية، وتبديلهم لجيرانهم، وزادت المسافات التي يقطنها الفرد في انتقالاته من مجتمع لآخر في المجتمع الحديث، ما يؤثر في ولائه لأسرته وارتباطه بأقاربه.
3.   الحراك الاقتصادي: ويقُصد به تغير مراكز الأبناء الاقتصادية عن مراكز الآباء والأجداد. فلقد أدى تغير نظام الملكية، ونمو الملكيات الفردية، ونشأة نظام الأجور، وتقييم العمل على أساس إنتاج الفرد ومقدار ما يبذله من مجهود ونشاط، إلى تغير المراكز الاقتصادية للأفراد. وأصبح من الطبيعي أن تتغاير المراتب الاقتصادية للأبناء عن مراتب آبائهم، لتغير المهن التي يقوم بها كل منهم. ولعل تغاير المراتب الاقتصادية يعني أن التكوين الطبقي أصبح مرنا ومتغيرا، وأصبح من السهل أمام الأفراد الانتقال إلى مرتبة أعلى من مرتبة أسرهم
بمقدار ما يبذلونه من جهد وعمل، وما يقومون به من نشاط في مهنهم. وصار من الطبيعي أن تنخفض مكانة الأفراد الاقتصادية عن مكانة أسرهم، إذا ما فشلوا في مهنهم.[13]
4.   الحراك الفكري: ويقصد به مقدار ودرجة وقوة ارتباط الفرد بالقيم والأفكار المستحدثة المختلفة. وقد ساعدت وسائل الاتصال مثل الراديو والسينما والتليفزيون والصحف والكتب والمجلات وازدياد الاختراعات الحديثة في العلوم والفنون إلى ازدياد فرص الحراك الفكري، وعرض نماذج فكرية واجتماعية في أساليب جديدة من السلوك. وكذلك تغير التقاليد المتوارثة عن الآباء والأجداد. كما أدى ازدياد حركة الكشف العلمي إلى ضعف ارتباط الأفراد بالقيم القديمة، واتجاههم نحو تقبل الأفكار والمبادئ المستحدثة.
وتعتبر المجتمعات التقليدية التي تستهلك الإعلام العالمي الحديث ومنتجاته هي الأكثر عرضة للحراك الفكري والثقافي من المجتمعات المصدرة للعولمة، لما قد يحمله الإعلام من أفكار قد لا تتناسب مع عادات وتقاليد وطبيعة تلك المجتمعات.[14]

الخـــــــــــــــاتمة
لا شك والحال هذه أن الدارس والمتتبع للحراك الاجتماعي يمكنه أن يلاحظ بوضوح بل ويلمس أن الحراك الاجتماعي هو تلك الظاهرة الاجتماعية التي بمقتضاها ينتقل الفرد أو الجماعة من طبقة معينة إلى طبقة أخرى أو من مستوى اجتماعي واقتصادي محدد إلى مستوى اجتماعي واقتصادي آخر ويرتبط بهذا الانتقال تغير في مستوى ووظيفة ودخل الفرد، إنه بمعنى آخر حركة الأفراد بين الطبقات والجماعات المهنية المختلفة والفرص المتاحة أمامهم للدخول في هذه الحركة.
من جهة أخرى جدير بالذكر أن الحراك الاجتماعي لا ينشأ من فراغ بل إنه كغيره من الظواهر الاجتماعية الأخرى له أسبابه التي يترتب ويحدث نتيجة لها وهذه الأسباب متعددة لكن لعل من أهمها التعليم والتقدم التكنولوجي والإيديولوجية السياسية والهجرة لما تتيحه تلك العوامل من فرص تمكن الفرد والجماعة من الارتقاء عبر مستويات اجتماعية واقتصادية مختلفة وما ينجر عن ذلك من تغير على مستوى الوظيفة والدخل أيضا.
كما أن الحراك الاجتماعي يأخذ عدة أشكال وأنماط مختلفة ومتمايزة عن بعضها مع وجود قدر كبير من التداخل والتشابك بينها، وتتمثل أشكال الحراك الاجتماعي في الحراك الاجتماعي الأفقي والحراك الاجتماعي العمودي والذي قد يكون صاعدا وقد يكون هابطا وهناك شكل ثالث من أشكال الحراك الاجتماعي وهو الحراك الاجتماعي بين الأجيال والذي ينقسم أيضا إلى حراك عبر الأجيال وحراك داخل الجيل الواحد.
أما أنماط الحراك الاجتماعي فتتمثل هي الأخرى في الحراك الاجتماعي المهني ويعنى ممارسة الأبناء لأعمال مغايرة لتلك التي مارسها آبائهم وذلك نتيجة التخصص المهني واتساع مجالات العمل، والحراك الاجتماعي المكاني وهو الأكثر شيوعا ويقصد به انتقال الفرد من إقليم أو حي لآخر قد أصبح من سمات المجتمع الحضري والصناعي وبشكل اقل في المجتمع التقليدي لشدة ارتباط الفرد بأرضه إضافة إلى الحراك الاقتصادي ويقُصد به تغير مراكز الأبناء الاقتصادية عن مراكز الآباء والأجداد. فلقد أدى تغير نظام الملكية، ونمو الملكيات الفردية، ونشأة نظاما للأجور، وتقييم العمل على أساس إنتاج الفرد ومقدار ما يبذله من مجهود ونشاط، إلى تغير المراكز الاقتصادية للأفراد، وهناك أيضا الحراك الفكري ويعنى مقدار ودرجة وقوة ارتباط الفرد بالقيم والأفكار المستحدثة المختلفة. وقد ساعدت وسائل الاتصال إلى ازدياد فرص الحراك الفكري وعرض نماذج فكرية واجتماعية في أساليب جديدة من السلوك، وتبقى المجتمعات التقليدية التي تستهلك الإعلام العالمي الحديث ومنتجاته هي الأكثر عرضة للحراك الفكري والثقافي من المجتمعات المصدرة للعولمة.
 قائمة المراجع والمصادر

[1] . الحراك الاجتماعي والتحديات الأمنية، د. محمد حمدي السعيد، المركز الإعلامي الأمني، مملكة البحرين
[2] . دور حراك الاجتماعي في الحصول على المكانة الاجتماعي وعلاقة ذلك ببنية ونظام المجتمع، د. مولود زايد الطبيب، جامعة الزاوية، ليبيا
[3]. المرأة والحراك الاجتماعي بالقطاع غير الرسمي، د. ملك محمد الطحاوى، كلية الآداب، جامعة المنيا
[4].http://mawdoo3.com/%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%81_%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9
[5] . الحراك الاجتماعي والتحديات الأمنية، مرجع سابق
[6] . نفس المصدر
[7] . نفس المصدر
[8] . دور حراك الاجتماعي في الحصول على المكانة الاجتماعي وعلاقة ذلك ببنية ونظام المجتمع، مرجع سابق ص 11
[9] . نفس المصدر، ص 10
[10] . الحراك الاجتماعي والتحديات الأمنية، مرجع سابق
[11] . http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Mnfsia15/SocialMobi/sec02.doc_cvt.htm
[12] . نفس المصدر
[13] . نفس المصدر
[14] . الحراك الاجتماعي والتحديات الأمنية، مرجع سابق

كلمة ترحيبية

تشرفنا زيارتك، لذلك نود منك معاودتها دائما للإطلاع على جديد الموقع

Welcome speech

We are honored to your visit, so we would like you always return to see the new site