مصالحة الثابت مع ذاته في المجتمع الموريتاني

       إذا انطلقنا من الرأي القائل بأن الثوابت لأي مجتمع هي الدين، اللغة، والأرض وكل ما يتعلق بذلك من ثقافة رمزية، فإننا نكون أمام مسلمة أو فرضية هي أنه "حينما ترتقي قيمة الأرض في الوعي الجماعي لمجتمع ما كهم مشترك يسمو فوق الخلافات الضيقة، فحينئذ سيتصالح الثابت مع ذاته ولن يكون عائقا أمام المتغير"، فكيف ذلك؟
تشتمل الأرض على قيمة اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية وأمنية لدى كل مجتمع، لذلك يمكن القول بأنه حينما ترتقي هذه القيمة التي تحظى بها الأرض في الوعي الجماعي كهم مشترك يسمو فوق الخلافات الضيقة، ـ التي تمنع المجتمع من التلاحم والاندماج ثم الانسجام، الأمر الذي يقف حجر عثرة في وجه أي تنمية اجتماعية، ـ ستتصالح مع ذاتها باعتبارها أكبر الثوابت، مؤسسة بذلك لبقية الثوابت الأخرى، ومساهمة في إحداث التغيير. ولن ترتقي قيمة الأرض إلا من خلال الإحساس الجماعي بأنها من ضمن الثوابت التي توحد المجتمع.
فكلما ارتبط الأفراد بالأرض، ذابت كل الفوارق والانتماءات الضيقة لصالح الانتماء للأرض، وحينئذ يتصالح الثابت مع ذاته مؤسسا بذلك رابطة مجالية، ثم رابطة اجتماعية تولد تلاحما واندماج واختلاطا وانسجاما اجتماعيا بين كل المكونات والشرائح والفئات في المجتمع، وعندئذ تتحول الأرض إلى معطى اجتماعي وثقافي يرتبط به الأفراد، ويعملون سوية على تماسكه وازدهاره والذود عنه إذا اقتضى الأمر تحت انتماء واحد وهو الانتماء للأرض والمجال، كما أنه في الوقت عينه ستتحول الأرض إلى معطى اقتصادي يرتبط به الأفراد أكثر لأنه هو مصدر تأمين حاجاتهم الأساسية من مأكل ومشرب ...وبذلك يصبحون مسئولين أمام أنفسهم وأمام الله عن حماية مصدر حاجاتهم والذي يعطيهم بقدر ما يسألونه.
ويزداد الارتباط بالأرض إذا ما أنضاف إلى الاعتبارات السابقة أن الأرض ستتحول إلى معطى سياسي وأمني، نظرا لأن الأفراد سيعملون على حماية مجالهم لأنه بالنسبة لهم هو الانتماء ومصدر تأمين الحاجات الأساسية وساحة للرهانات السياسية والأمنية، خاصة إذا تحول الذود عن هذا المجال إلى جهاد مقدس ((أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم...)) الآية.

من هنا نقول بأن كافة أفراد مكونات المجتمع الموريتاني بحاجة إلى التمييز بين ما هو ثابت وما هو متحول أولا، ومن ثم يسعون إلى تعزيز الثوابت ثانيا لأنها هي التي توحد المجتمع، ومن ذلك أن يتخلوا عن انتماءاتهم الضيقة المتمثلة في "القبيلة، العرق، وحتى الجهة"، لصالح انتماء أفسح وهو الانتماء للأرض، الأمر الذي سينتج رابطة مجالية ومن ثم رابطة اجتماعية تجمع المجتمع وتقارب بين مكوناته وتجعل الأفراد يسمون بخلافاتهم الضيقة. عندئذ يتحول تنوعنا الثقافي والعرقي والقبلي، بل حتى الجهوي إلى مصدر قوة وثراء، بدل أن يظل عنصر ضعف يقف في وجه أي تنمية اجتماعية نحاول تحقيقها.

كلمة ترحيبية

تشرفنا زيارتك، لذلك نود منك معاودتها دائما للإطلاع على جديد الموقع

Welcome speech

We are honored to your visit, so we would like you always return to see the new site